سورة يس - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يس)


        


{إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54) إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)}
{إلا صيحة واحدة} قرئت منصوبة ومرفوعة {فاليوم لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً...... إِنَّ أصحاب الجنة اليوم فِي شُغُلٍ} حكاية ما يقال لهم في ذلك اليوم. وفي مثل هذه الحكاية زيادة تصوير للموعود، وتمكين له في النفوس، وترغيب في الحرص عليه وعلى ما يثمره {فِى شُغُلٍ} في أي شغل وفي شغل لا يوصف، وما ظنك بشغل من سعد بدخول الجنة التي هي دار المتقين، ووصل إلى نيل تلك الغبطة وذلك الملك الكبير والنعيم المقيم، ووقع في تلك الملاذ التي أعدّها الله للمرتضين من عباده، ثواباً لهم على أعمالهم مع كرامة وتعظيم، وذلك بعد الوله والصبابة، والتفصي من مشاق التكليف ومضايق التقوى والخشية، وتخطي الأهوال، وتجاوز الأخطار وجواز الصراط. ومعاينة ما لقى العصاة من العذاب، وعن ابن عباس: في افتضاض الأبكار. وعنه: في ضرب الأوتار.
وعن ابن كيسان: في التزاور. وقيل: في ضيافة الله.
وعن الحسن: شغلهم عما فيه أهل النار التنعم بما هم فيه.
وعن الكلبي: هم في شغل عن أهاليهم من أهل النار، لا يهمهم أمرهم ولا يذكرونهم: لئلا يدخل عليهم تنغيص في نعيمهم. قرئ: {في شغل} بضمتين وضمة وسكون، وفتحتين، وفتحة وسكون. والفاكه والفكه: المتنعم والمتلذذ: ومنه الفاكهة؛ لأنها مما يتلذذ به. وكذلك الفكاهة، وهي المزاحة. وقرئ: {فاكهون} وفكهون، بكسر الكاف وضمها، كقولهم: رجل حدث وحدث، ونطس ونطس. وقرئ: {فاكهين} وفكهين، على أنه حال والظرف مستقر {هُمْ} يحتمل أن يكون مبتدأ وأن يكون تأكيداً للضمير في {فِى شُغُلٍ} وفي {فاكهون} على أنّ أزواجهم يشاركنهم في ذلك الشغل والتفكه والاتكاء على الأرائك تحت الظلال. وقرئ: {في ظلل}، والأريكة: السرير في الحجلة. وقيل: الفراش فيها.
وقرأ ابن مسعود: {متكين} {يَدَّعُونَ} يفتعلون من الدعاء، أي: يدعون به لأنفسهم، كقولك: اشتوى واجتمل، إذا شوى وجمل لنفسه. قال لبيد:
فَاشْتَوَى لَيْلَةَ رِيحٍ وَاجْتَمَلْ ***
ويجوز أن يكون بمعنى يتداعونه، كقولك: ارتموه، وتراموه. وقيل: يتمنون، من قولهم: ادّع عليّ ما شئت، بمعنى تمنه عليّ، وفلان في خير ما أدّعى، أي في خير ما تمنّى. قال الزجاج: وهو من الدعاء، أي: ما يدعو به أهل الجنة يأتيهم. و {سلام} بدل مما يدعون، كأنه قال لهم: سلام يقال لهم {قَوْلاً مّن} جهة {رَّبّ رَّحِيمٍ} والمعنى: أنّ الله يسلم عليهم بواسطة الملائكة، أو بغير واسطة، مبالغة في تعظيمهم وذلك متمناهم، ولهم ذلك لا يمنعونه. قال ابن عباس: فالملائكة يدخلون عليهم بالتحية من رب العالمين. وقيل: {مَّا يَدَّعُونَ}، مبتدأ وخبره سلام، بمعنى: ولهم ما يدعون سالم خالص لا شوب فيه. و{قَوْلاً} مصدر مؤكد لقوله تعالى: {وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ سلام} أي: عدة من رب رحيم. والأوجه: أن ينتصب على الاختصاص، وهو من مجازه. وقرئ: {سلم} وهو بمعنى السلام في المعنيين.
وعن ابن مسعود: سلاماً نصب على الحال، أي لهم مرادهم خالصاً.


{وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59)}
{وامتازوا} وانفردوا عن المؤمنين، وكونوا على حدة، وذلك حين يحشر المؤمنون ويسار بهم إلى الجنة. ونحوه قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ فَأَمَّا الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ وَأَمَّا الذين كَفَرُواْ}.. الآية [الروم: 14]. يقال: مازه فانماز وامتاز.
وعن قتادة: اعتزلوا عن كل خير.
وعن الضحاك: لكل كافر بيت من النار يكون فيه، لا يرى ولا يرى. ومعناه: أنّ بعضهم يمتاز من بعض.


{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)}
العهد: الوصية، وعهد إليه: إذا وصاه. وعهد الله إليهم: ما ركز فيهم من أدلة العقل وأنزل عليهم من دلائل السمع. وعبادة الشيطان: طاعته فيما يوسوس به إليهم ويزينه لهم. وقرئ: {إعهد} بكسر الهمزة. وباب (فعل) كله يجوز في حروف مضارعته الكسر، إلا في الياء. وأعهد، بكسر الهاء. وقد جوز الزجاج أن يكون من باب نعم ينعم وضرب يضرب. وأحهد: بالحاء. وأحد: وهي لغة تميم. ومنه قولهم: دحا محا {هذا} إشارة إلى ما عهد إليهم من معصية الشيطان وطاعة الرحمن، إذ لا صراط أقوم منه، ونحو التنكير فيه ما في قول كثيِّرُ:
لَئِنْ كَانَ يُهْدَى بَرْدُ أَنْيَابِهَا الْعُلى *** لأَفْقَرَ مِنِّي إنَّنِي لَفَقِيرُ
أراد: إنني لفقير بليغ الفقر، حقيق بأن أوصف به لكمال شرائطه فيّ، وإلا لم يستقم معنى البيت، وكذلك قوله: {هذا صراط مُّسْتَقِيمٌ} يريد: صراط بليغ في بابه، بليغ في استقامته، جامع لكل شرط يجب أن يكون عليه. ويجوز أن يراد: هذا بعض الصرط المستقيمة، توبيخاً لهم على العدول عنه، والتفادي عن سلوكه، كما يتفادى الناس عن الطريق المعوج الذي يؤدي إلى الضلالة والتهلكة، كأنه قيل: أقل أحوال الطريق الذي هو أقوم الطرق: أن يعتقد فيه كما يعتقد في الطريق الذي لا يضل السالك، كما يقول الرجل لولده وقد نصحه النصح البالغ الذي ليس بعده: هذا فيما أظنّ قول نافع غير ضار، توبيخاً له عن الإعراض عن نصائحه.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10